جرى خلال شهر شتنبر من هذه السنة 2024 احصاء عام للسكان بالمغرب، الذي اشرفت علية المندوبية السامية للتخطيط، هذا الاحصاء الذي تقوم به المؤسسة بعد كل عشر سنوات، فقد جرى الاحصاء السابق سنة 2014، و قد كان عدد سكان المغرب خلاله يقارب الاربعين مليون نسمة، اما الاحصاء الحالي فقد قارب 37 مليون نسمة، اي بفارق سلبي يعادل نحو 3 ملايين من الافراد، و هو امر يدعو إلى التساؤل حول هذا النقص الملحوظ، فمن الطبيعي انه خلال مدة العشر سنوات الفاصلة بين الاحصاءين ان يحدث ارتفاع في عدد السكان (الا ان كان هناك سبب لهذا التراجع كجاءحة ضربت البلد او حرب ضروس أو غيرهما، و الحمد لله انه لم يحدث شيء من ذلك)، لكن وقع العكس حيث حصل نقص، فما سبب ذلك يا ترى؟
معروف ان الهرم السكاني بالمغرب، يتميز باتساع القاعدة و حدة القمة، معنى ذلك ان المجتمع المغربي مجتمع فتي، نسبة الشباب به نسبة غالبة، مما يفترض أن هناك حركية في الولادات و الزيادة الديمغرافية، لكن الناظر الى الواقع سينصدم بظاهرة أخذوا في التنامي في السنوات الاخيرة، و هي ظاهرة الطلاق، اضافة إلى أن الاسر القاءمة، خاصة في الحواضر، لم تعد تلد اعداد كبيرة من الاطفال كما كان سابقا، حيث كانت الأسرة تلد خمسة و ستة و سبعة من الاطفال، بل قد تتعدى ذلك الى العشرة و اكثر، اما الان، ففي الغالب تكتفي الاسر بطفلين او ثلاث، و قليلا ما تزيد على ذلك، و هذا ما اثر سلبا على النمو الديمغرافي بالمغرب.
اما عن ظاهرة الطلاق، فقد اصبحت مقلقة بالمغرب، حيث تشير بعض الاحصاءات الى وقوع نحو 800 حالة طلاق في اليوم، و ان نسبة كثيرة من الزيجات لا تكمل السنة الواحدة و يتم الطلاق، لعدة أسباب منها الاقتصادي، بسبب ارتفاع تكاليف الحياة، و عدم القدرة على تلبية المتطلبات،
و منها الاجتماعي، حيث انتشرت ثقافة الحقوق لدى النساء خاصة المستقلة ماديا، اي الموظفة و المقاولة او غيرهما، و تغير نظرة المرأة للرجل، و تغير نظرة الرجل للمراة، فلم يعد الرجل لدى المرأة غطاء و سترا و سندا، بل اصبحت تتصرف داخل الأسرة ندا للند مع الرجل، نتيجة رفع شعار مساواة المرأة للرجل، مما جعل الرجل تتغير نظرته للمراة كذلك، فلم تعد "هن سكن لكم و انتم سكن لهن"، زيادة على صدور قوانين قد يشتم منها انها ترجح كفة المرأة أو تحابيها على حساب الرجل.
مما أدى إلى عزوف الشباب عن الزواج، و اذا حصل، فلا يكون ذلك الا في سن متأخرة نسبيا، الشيء الذي دفع عددا لا يستهان به من الشابات الى الزواج باجانب أفارقة و غيرهم، و اخريات الى المغامرة و السفر الى الخارج من اجل الزواج او العمل، و قد تنوعت جنسيات الازواج بين مصر و الشام و اتراك، و ربما حتى اوربيين.
و هذا لا شك سيكون له اثر على المجتمع المغربي مستقبلا، اثر غالبا سيكون سلبي من جهات متعددة، حيث سيعرف الهرم السكاني تغيرا واضحا في شكله حيث ستضيق قاعدته و يتسع رأسه اي ان المجتمع سيعرف نوعا من الشيخوخة المبكرة، و من حيث كثرة الجنسيات لمواليد النساء المغربيات، من طرف اباءهم المتزوجين بهؤلاء مغربيات، و بالتالي ستختلط الاعراق، و ربما هذا كله ليس في مصلحة الشعب المغربي.
الوضع على ما يبدو ليس سليما، و على الجهات المعنية الاهتمام بالموضوع و دراسته دراسة علمية دقيقة، لتحديد المسار اللاءق الذي يجب سلوكه لتجنيب البلاد المضار التي قد تلحق بها جراء هذا التخبط، و توعية الشباب ذكورا و اناثا، بموضوع الأسرة و اهميتها في تحقيق أمن المجتمع و تماسكه و اطمءنانه.