اطلعت على ملخص دراسة قام به باحث بريطاني يدعا بول هوسفورد، تتمحور الدراسة حول الدول الاكثر تطبيقا لتعاليم الاسلام من حيث الوضع الاقتصادي و الحالة الاجتماعية و الظروف السياسية و الاهتمام بالصحة و التعليم و حرية التعبير.
و قد شملت الدراسة 208 دولة عبر العالم، و الغرض من الدراسة ليس من اجل دراسة مدى الالتزام بالشعاءر الدينية، و لكن مدى تطبيق تعاليم الاسلام في الجوانب الموما إليها أعلاه.
و الغريب، ان 32 المراتب الاولى لم تكن بها أي دولة مسلمة او ذات أغلبية مسلمة، بل الذين احتلوا تلك المراتب، دول لا علاقة لها بالاسلام، بل منها دول لا دينية اصلا، و لكنها تطبق في حياتها تعاليم سامية تتلاءم و التعاليم التي يدعو اليها الاسلام و يرغب فيها من اجل تحقيق حياة سعيدة، و ضمان علاقات جيدة بين الناس في اي مجتمع، مما ساعد تلك الدول و المجتمعات على تحقيق نمو و تطور اقتصادي مهم يعتمد على التصنيع و الفلاحة، و ضمان سياسة ديمقراطية حقيقية، و تعليم متطور، و نظام صحي جيد يخدم كل المواطنين.
فالدولة التي احتلت المرتبة الاولى وفق منهج الدراسة، هي ايرلندا، تبعتها في المرتبة الثانية دولة الدنمارك، ثم السويد في المرتبة الثالثة.
و اول دولة مسلمة في الترتيب احتلت المرتبة 33، و هي دولة ماليزيا، و اول دولة عربية احتلت المرتبة 48 هي دولة الكويت، متبوعة بدولة البحرين في المرتبة 61، و الامارات في المرتبة 64، ثم السعودية في المرتبة 93، فالمغرب المرتبة 120، فمصر في المرتبة 128.
نعم، الاسلام ليس شعاءر دينية فقط، بل هو نظام حياة شامل ينبني على تعاليم سامية و راقية، يمس حياة الإنسان، فردا و مجتمعا، في كل جوانبها من المهد الى اللحد.
و هكذا، رأينا أن أكثر من الثلاثين المراتب الاولى في الدراسة تحتلها دول غير مسلمة و لا علاقة لها بالدين الاسلامي، و هي دول من الدول المتقدمة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا، بينما الدول الإسلامية او ذات الأغلبية المسلمة، تعيش تخلفا على كل المستويات، بدرجات متفاوتة بينها، نظرا لعدم التزامها بتلك التعاليم، رغم ان الدول المسلمة تتوفر على الاف المساجد و الچوامع التي تقام بها صلاة الجمعة، و موسم الحج تمتلء الأماكن المقدسة بالمسلمين، و كذلك طول السنة يعتمر الناس، و عمرة رمضان حيث تمتلئ مكة المعتمرين.
و خلال هذه المناسبات الدينية (صلاة الجمعة و العيدين و غيرهما) يخطب العلماء و الفقهاء في الناس، و يذكروهم بالتعاليم و الاخلاق الإسلامية، من امانة و صدق و اخلاص و طلب العلم و المعرفة، و السير في الارض و التفكر في خلق الله، و العدالة و التعاون و التضامن، و بر الوالدين، و احترام الصغير للكبير و توقير الكبير للصغير، و صلة الارحام، و احترام الجار، و المحافظة على البيئة، و الاخلاص في العمل ...، و غيرها من التعاليم و القيم التي تسمو بالانسان و تصون المجتمع و تحافظ على استقراره و امنه و ترقى به حضاريا.
الا انه مع الاسف، فإن الناظر لواقع المجتمعات العربية و المسلمة، يجد ان كل تلك التعاليم و القيم غاءبة في سلوكاتنا الا من اخذ الله بيده، فلا صدق و لا امانة، حيث ساد النصب و الاحتيال و الاستحواذ على ممتلكات الغير و اكل مال اليتيم، و لا اخلاص في العمل، كثير يعتبرون الوظيفة تشريفا لا تكليفا، و لا قيمة للتعليم مما أدى إلى انتشار الامية و الجهل، هذا في أمة "اقرا باسم ربك الذي خلق"، و الغش في كل شيء.
و العدالة و التعاون و التضامن ضعف بين شراءح المجتمع، و انقطعت الارحام الا ما نذر، و كثرت المشاكل و النزاعات بين الجيران، مما أدى إلى التباعد و التنافر بين الناس، و لا احترام، بل اصبح الحديث عن صراع الاجيال، و انتشر تعاطي المخدرات و المسكرات و الفساد الأخلاقي و الرشوة، مما أدى إلى اضطراب الحياة الاجتماعية، و عدم القدرة على تحقيق تنمية شاملة، و بالتالي احتلال المراتب المتأخرة في ذلك على المستوى العالمي.
الاسلام ليس عقيدة فقط، بل منهاج حياة كذلك، من سلكه حقق التنمية و التقدم الذي ينشده الجميع، و من زاغ عنه ضل و تاه، و ظل حبيس التخلف.