صلاة التراويح!



خلال شهر رمضان الابرك، يلاحظ اقبال الناس الكثيف على بيوت الله لأداء الصلوات بها، مما يؤدي الى امتلاء هذه الاماكن التعبدية، و خاصة خلال صلوات التراويح التي تكون بعد صلاة العشاء، فتمتلء المساجد بالمصلين، و تمتلء الساحات و الشوارع و الأزقة المجاورة للمسجد بالمصلين الذين لم يستطع داخل المسجد استيعابهم.

و هذا مؤشر ايجابي يدل على حرص شعبنا على اداء صلواته في بيوت الله، و هذه السنة صاحب اداء هذه الشعيرة هطول امطار الخير التي چعلت الفرحة فرحتان، فرحة اداء سنة رسول الله (ص) ، و فرحة هطول امطار الخير التي انتظرها الناس الذين كان بلغ بهم الياس مبلغا كبيرا، فالحمد لله على نعمه، و نساله سبحانه ان يتقبل منا صلاتنا و صيامنا و قيامنا.

لكن رغم كل ذلك، يجب ابداء بعض الملاحظات الضرورية لمحاولة تجاوز بعض الأخطاء التي نرتكبها، ربما دون أن نلقي لها بالا رغم انها قد تؤثر على صحة صلاتنا و قبولها و درچة الاچر الذي نحصل عليه، و التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

- تبادل البعض الحديث الثناءي اثناء انتظار إقامة الصلاة و خاصة في جناح النساء، و التشويش بذلك على الباقين،

- بعض النسوة يحرصن على حجز اماكن بقربهن لصديقاتهن و جاراتهن، و كأنهن في سينما او حمام او غيره، و هذا لا يليق،

- رنين الهواتف المزعج اثناء الصلاة، رغم تنبيه الامام لذلك غير ما مرة، لكن غالبا يتم نسيان كتم صوت الهواتف، (مرة رن هاتف احدهم بالموسيقى الأندلسية و استمر ذلك ثوان)، و قد يعمد البعض على الجواب على الهاتف وسط جموع المصلين،

- لعب الاطفال و شغبهم، حيث كثير من الاباء يصطحبون معهم اطفالا صغارا و لا يضبطونهم، فتكثر حركتهم و ضحكاتهم و بالتالي تشويشهم على المصلين، 

- عدم الحرص على تسوية الصفوف، رغم ان ذلك من واجبات اقامة الصلاة، و غير ذلك من السلوكات التي تتعارض مع اداب و حرمة المساجد..

هذا من ناحية، و من ناحية أخرى يقول الرسول (ص): "الصلاة عماد الدين"، و "العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، و "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فلا صلاة له"، من هنا الصلاة و اداؤها و الالتزام بها خط فاصل بين المسلم الحق و غيره و لنقل فقط الفاسق و ليس الكافر.

و شعيرة الصلاة تذكر المسلمين بالوقوف بين يدي الله سبحانه خمس مرات في اليوم، و بالتالي الوقوف الاخير يوم العرض و الحساب، "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، و من يعمل مثقال ذرة شرا يره".

و اذا نظرنا الى حياتنا العامة، و تمعنا في سلوكات المسلمين/ المصلين، لوجدناها بعيدة كل البعد عن الاخلاق الإسلامية التي يتعين على المسلم المصلي ان يتحلى بها، و قد اعجبني احد المفكرين السعوديين حين قال: دعني ارى صلاتك في الشارع و ليس في المسجد، اي ان ارى اثر الصلاة في سلوكك و تصرفاتك و معاملاتك مع محيطك بكل مقوماته، و في علاقاتك مع الآخرين، سواء كانوا جيرانا او متعاملين في الشارع و في مختلف المجالات (تچارة، صيرفة، دراسة، تطبيب، ادارة، قضاء و سوى ذلك)..

فمظاهر الفساد متفشية في مجتمعنا المسلم، فالكذب و خيانة الأمانة و الغش و الرشوة و الغيبة و النميمة و ايذاء الجيران و عدم احترام الاعراف و القوانين (قانون السير على الاقل) و استغلال الظروف و الانتهازية، و تسلط القوي على الضعيف، و تفشي الأنانية على المصلحة العامة، و سيادة الربا في عموم الاقتصاد، و تفشي الفاحشة، و تعاطي المسكرات و المخدرات و غير ذلك من الاخلاق و القيم المذمومة بل المحرمة في الاسلام، و لا سبيل إلى ادراج أمثلة عما سبق الإشارة إليه، لانه كلنا نعرف و نلاحظ ذلك بالملموس في حياتنا اليومية، لنتذكر فقط بعض المواسم ان صح التعبير، ففي العطلة الصيفية كيف يتم الرفع في اسعار مواد التغذية و كراء الشقق، و في مناسبة عيد الاضحى رفع اسعار الاضاحي و استعمال بعض الحيل في ذلك، و اثناء فصل عصر الزيتون و ما يتم رصده من اساليب الغش و التدليس حتى فقدت الثقة بين البائع و المشتري، حتى في الميراث، تجد الاخ الاكبر او غيره يستحوذ على التركة كلها و يحرم اصحاب الحقوق الاخرين،  و كثيرا ما سمعنا و قرانا عن بعض الأساتذة و الاطباء الذين يدعون مراكز وظيفتهم في المرافق العمومية و يذهبون للاشتغال في المرافق الخاصة، و قس على ذلك.. (و ياتي من يقل لك: "الكتف الكتف و العقب العقب يا اخي"، فهل الأمر منحصر في الشكليات، و نترك الجوهر؟!). 

فهل هذا يصدر عن متشبعين باخلاق الاسلام، و عن اناس ملتزمين باداء صلواتهم، و يحفظون قول الله تعالى: "ان الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر"، و قول الرسول (ص): "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فلا صلاة له"؟!. بل تجد البعض يذهب الى الديار المقدسة لأداء صلوات القيام و التهجد بالكعبة المشرفة، و ربما قد ترك عمالا دون ان يدفع لهم اجورهم، و ظلم اخرين و اودعهم السچن، ... و يرفع عقيرته بالدعاء: "اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني"، ان اردت العفو رد الحقوق لاصحابها، و اخلص في عملك، و ابتعد عن حرمات الاخرين...

لم تعد الصلاة شعيرة للارتقاء بالاخلاق و تقويم السلوك و تمتين العلاقة بين الممارسين و خالقهم سبحانه، و انما شعيرة تؤدى فارغة من مضمونها و جوهرها، و فرصة للتجمع و التلاقي و التظاهر او التمظهر بين الناس، اي بالتعبير الدارج: شوفوني كانصلي..

 نسال الله تعالى العفو و التجاوز و الهداية الى سواء السبيل..

لعلها مناسبة لمراجعة و نقد الذات بصرامة لتصحيح اسلامنا ان اردنا ان نكون مسلمين، الم يقل قديما: "حاسبوا انفسكم قبل أن تحاسبوا"، اللهم اهدنا و ردنا اليك ردا جميلا.

ورد عن بعض السلف ان المسلمين لا ينتصرون على عدوهم بالعدد و العدة و انما بالتقوى، فهل بواقعنا الموصوف أنفا المتعفن، سننتصر؟! اللهم كن لاخواننا في غزة عونا و نصيرا..

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-