ان ما يحدث في غزة من الناحية الإنسانية شيء يدمي القلب و يطير النوم من الماقي، و يجعل الفرد يفقد الثقة في كل الشعارات المرفوعة. و كل المؤسسات الدولية التي تدعي الاعتناء بالعدل و الحقوق، و تحقيق تنمية الشعوب و الصحة و غيرها من الشعارات البراقة، بينما الواقع يبين زيف تلك الشعارات، فالمؤسسات الدولية تخدم مصالح الاقوياء، و تمتص قدرات الفقراء حتى يبقوا دائما في الدرك الأسفل من التنمية و تحقيق كرامة العيش.
و من الناحية العسكرية. فإن ما يحدث يبعث على الدهشة و الاستغراب، نظرا للفارق الشارع بين الطرفين، طرف ليس له جيش نظامي و لا اكاديميا عسكرية، و لا ترسانة حربية يعتد بها، و يعاديه الأقارب و الاباعد، و طرف يعد من أقوى الجيوش على الصعيد العالمي، و يمتلك ترسانة حربية ضخمة، و صناعة عسكرية متطورة، و حلفاؤه الدول الكبرى (اغلب دول حلف الناتو)، التي ارسلت حاملات طاءرات، و خبراء عسكريين، و أسلحة متطورة، و غير من أشكال الدعم.
لكن رغم ذلك، فإن الطرف الأول رغم بساطة العدة و العدد، فإنه أظهر صمودا منقطع النظير، بل استطاع ان يفرض استراتيجيه على أرض المعركة، و يدفع العدو إلى توسل دول للوساطة بينه و بين حماس للاتفاق على هدنة، لكن حماس تصر على شرطها لفعل ذلك، مما يدل على أن الحرب لم تعد نزهة بالنسبة لإسرائيل كما كانت من قبل، بل أصبحت تدفع ثمنا غاليا، و تشعر بما يشعر به الشعب الفلسطيني، و حين جبنت عن المواجهة في الارض، راحت تكثف ضرباتها الجوية.
يقول تعالى في سورة الاسراء: "و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين و لتعلم علوة كبيرا. فإذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادات لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، و كان وعدا مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم و امددناكم بأموال و بنين و جعلناكم أكثر نفيرا. ان أحسنت احسنتم لانفسكم، و ان اساتم فلها، فإذا جاء وعد الاخرة ليسوؤوا وجوهكم و ليدخلوة المسجد كما دخلوه اول مرة و ليتبروا ما علوا تتبيرا، عسى ربكم ان يرحمكم، و ان عدتم عدنا، و جعلنا جهنم للوافدين حصيرا" (الاسراء: 4-8).
و قد أعجبني ملاحظات أحدهم حيث قال إن زوال دولة بني اسراءيل ستقول على ثلاث مراحل،
المرحلة الاولى: هي إساءة وجوههم و فضحهم أمام العالم بجبنهم، و وحشيتهم و بربريتهم في قتل الأطفال و النساء و الشيوخ و هدم المستشفيات على رؤوس المرضى و الجرحى الذين قضى معظمهم بفعل القصف الوحشي، و فعلا قد شاهد العالم معانات أطفال و نساء غزة، و تعاطفوا معهم، و نظمت مظاهرات ضخمة استنكارا لوحشية الاستعمار الاسرائيلي الهمجي. و قد برمت شعوب الغرب من هذه الدولة التي تسلب أموالهم عن طريق الاعانات الضخمة، خصوصا الان بعد ان عرف الاقتصاد الاسرائيلي شبه توقف تام بفعل هجمات المقاومة.
المرحلة الثانية: هي دخول المسجد الأقصى كما دخله المسلمون الأوائل ايام الخليفة عمر بن الخطاب (ض)، بعد انهيار دولة اسراءيل، و هذا وعد الله عز و جل، و وعده نافذ لا محالة، و قد تنبأ بهذا متتبعون و سياسيون غربيون انفسهم، لأنها قائمة على الغصب و الظلم و الطغيان.
المرحلة الثالثة: و هي مرحلة إبادة تلك الدولة اللقيطة، و هي المرحلة التي أخبر عنها الرسول (ص) من ان المسلمين سيقاتلون اليهود، و سينطق الحجر و الشجر، بقدرة الله، و يقول: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي وراءي تعالى فاقتله، و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
و لعل الأحداث الجارية الان في غزة العزة، تمثل المرحلة الاولى، فهل دنى زوال تلك الدولة السرطانية؟ عسى أن يكون ذلك قريبا..