القتل: خاصية غربية بامتياز


منذ أن قتل هابيل قابيل و البشرية في صراع و اقتتال، القتال بين الأفراد و بين الجماعات و بين الشعوب، حيث تتواجه الجيوش فتزهق الأرواح و تسيل الدماء و تخرب الأوطان.. هذه سنة الله في خلقه.. بسبب الطمع فيما عند الآخر، أو الانتقام من تصرف أو موقف معين، أو حسدا و بغضا، أو لبسط السيطرة و الاستعمار و الاستحواذ، أو لفرض معتقدات "دينية" و تبشيرية، و ربما لأسباب تافهة تزهق أرواح بشرية..

  و قد عرفت البشرية منذ أزمان بعيدة معارك كبيرة، ذهب ضحيتها أعداد مهولة من الأرواح، و لعل المعارك و الهجومات و الاحتلالات التي وقعت في القرون المتأخرة، كانت أكبر من حيث عدد الضحايا الذين سقطوا جراءها.

  فالحربان العالميتان اللتان شهدهما النصف الأول من القرن العشرين (و هما بالمناسبة حربين أوربيتين و لكن سميا بالعالميتين لأن دولا كثيرة تدخلت فيها لأسباب متباينة، كالولايات المتحدة الأمريكية، و المستعمرات التابعة لفرنسا و بريطانيا اللتان كانتا تأتيان بشباب تلك المستعمرات ليقاتلوا دفاعا عنها ...)، عرفتا سقوط ملايين البشر، ناهيك عن الجرحى و المعطوبين و المرضى، و الأرامل و اليتامى، و الفقر و المجاعة و المرض الذي عانت منه شعوب كثيرة نتيجة تلك الحربين المدمرتين.

  و قبل الحربين المذكورتين، كانت هناك حركة الاستكشافات التي قامت بها الدول الأوربية إبان عصر نهضتها، فخرج المستكشفون و وصلوا إلى أراض جديدة بالنسبة لهم، حيث عملوا على احتلالها و استوطنوها لما وجدوا فيها من خيرات طبيعية و معادن نفيسة، و في سبيل ذلك خاضوا معارك طاحنة مع السكان الأصليين الذين أرادوا أن يدافعوا عن أراضيهم و ممتلكاتهم، و نظرا للتفاوت في الوسائل و الإمكانيات الحربية، استطاع الأوربيون أن يقضوا على ملايين من السكان الأصليين في تلك الأراضي الجديدة بالنسبة لهم، أكثر من ماءة مليون في القارة الأمريكية، و ملايين في أستراليا، و أمثالهم في إفريقيا، و استالين وحده تحكي الروايات أنه قضى على ما يربو على الأربعين مليون من المسلمين الذين كان يرسلهم إلى منطقة سيبريا. 

  و فيما يعرف بالحروب الصليبية، حيث هجم الصليبيون المسيحيون على بلاد الإسلام خصوصا في الشرق، و احتلوا معظمها، فقتلوا و أسروا و اغتصبوا ما شاء لهم أن يفعلوا.

  كما هاجم المغول التتار بلاد الإسلام و قتلوا أعدادا كبيرة حتى قيل إن نهري دجلة و الفرات اصطبغت مياههما بلون الدم بسبب كثرة الدماء التي أسيلت خلال هذا الهجوم، و استمر ذلك عشرات السنين.

  و حين ننظر في عصرنا هذا، الكل يتذكر الحروب الجهنمية الظالمة التي شنت على العراق و أفغانستان و الشيشان و البوسنة (كلها بلدان إسلامية) و ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأرواح، زيادة على تدمير الديار هناك و الحضارة بتلك البلدان التي يعتبر بعضها مهد الحضارة الإنسانية (العراق و الشام).

  بل و ما زال المسلمون كأقليات يعيشون الويلات في بعض الدول كالصين و الهند و ميانمار، حيث يقتلون و يحرقون، و يدفنون أحياء، و تسلب ممتلكاتهم، و تغتصب نساؤهم، كل هذا أمام أنظار العالم الذي لا يحرك ساكنا حين يتعلق الأمر بالمسلمين..

  الذي دعا إلى كتابة هذه الأسطر، هو ذهاب البعض (خاصة من بني جلدتنا) إلى أن الفتوحات الإسلامية تدخل ضمن هذه الخانة من الحروب الضخمة التي أودت بحياة الآلاف من البشر، و الحقيقة أن الفتوحات الإسلامية لا يمكن إدراجها ضمن حروب الإبادة التي قتل فيها المدنيون العزل، و أحرقت و هدمت المنازل و الأشجار، بل كلها كانت مواجهة جيش لجيش، سقطت أرواح و لكن ليس بتلك الأعداد المهولة، ليست بتلك الصورة الوحشية البربرية التي مارسها مسيحيوا قشتالة ضد مسلمي الأندلس، التي عانى فيها هؤلاء من ويلات الاضطهاد ألوانا يشيب لها الولدان، حيث كان الإنسان المسلم يسلخ لحمه عن عظمه و أكثر من ذلك.

  و مع ذلك استطاع الغربيون أن يلصقوا تهمة الإرهاب بالإسلام، و وجد ذلك هوى عند بعض " الأنظمة" لتصفي حساباتها مع تيارات ما يعرف بتيار الإسلام السياسي، مع أن المسلمون لم يرتكبوا عشر معشار مما ارتكبه الغربيون في حق الإنسانية جمعاء في كل أركان المعمور، و قد أقر بذلك بعض المنصفين من المؤرخين و الدارسين و المفكرين الغربيين أنفسهم. 

و إلى يومنا هذا، ما زال الإنسان الغربي الأبيض الذي يدعي الحضارة و المدنية، و رغم ظهور قوانين دولية و هيئات أممية، ما زالت الحروب يستعر أوارها في أماكن متعددة، و  يقف وراءها دائما الإنسان الغربي، فالحرب الروسية الأوكرانية (يشترك فيها حلف الناطو كاملا) التي أشرفت على بلوغ السنة الثانية، هلك فيها مئات الآلاف، و قد أشعلوا خلال الأيام القليلة الماضية حربا جديدة في الشرق الأوسط، استشهد فيها آلاف من الأبرياء الفلسطينيين، و هدمت ديارهم، و دمرت مدنهم، و المعتدي يحاول تهجير سكان غزة من مدينتهم ظلما و جورا.

و لا ننسى أن حلفاء الشيطان في الغرب، يخططون للقضاء على ملايير البشر، من أجل الاحتفاظ بما يسمونه بالمليار الذهبي، و الذي يقصدون به الإنسان الغربي الأبيض المتحضر كما يزعمون.

فمتى سيشبع هذا الغربي من سفك الدماء و إزهاق الأرواح،  


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-