نشرت وكالة الفضاء الأمريكية
المعروفة اختصارا ب NASA، بعض الصور التي توصلت بها من بيرسيفيرانس الذي
حط على سطح المريخ في يوم سابق، منها الصورة أعلاه التي تبين تلك نقطة الضوء
الصغيرة التي قيل إنها للأرض، و هي على بعد 55 مليون كلم أو أكثر بعيدة عن المريخ.
كوكب الأرض الذي نتقاسم العيش فيه مع أكثر من سبع
مليار و نصف من البشر، و الأمم الأخرى من حيوانات بكل أصنافها برية و مائية، و ما
حوته من أقوات المخلوقات، و معادن و ثروات ظاهرة و باطنة، و ما تتضمنه من أسرار ما
يزال العقل البشري يعمل على اكتشافها و الاستفادة منها لتيسير أمور حياته، و من
تضاريس مختلفة تتباين بين السهول و الجبال و الصحارى و غيرها، و الغازات التي تحيط
بالكوكب، التي تؤثث الفضاء الذي نعيش فيه، و الذي لا يقبل الاختلال، و إلا كان
مصير المخلوقات الفناء.
معرفة الكواكب
البعيدة في العصر الحالي، و خصوصا منذ النصف الثاني من القرن الماضي و القرن الذي
نحن فيه، عرفت تطورا هائلا، حيث استطاع الإنسان أن يحلق في الأجواء العليا، و يصل
إلى كواكب أخرى (القمر سابقا! و المريخ حاليا)، لكن الإنسان القديم أيضا رفع عينيه
و لاحظ وجود كواكب أخرى خصوصا تلك القريبة منه كالشمس و القمر، و البعيدة كذلك،
حيث عرف الإنسان العربي خاصة في شبه الجزيرة العربية مجموعة من الكواكب و النجوم و
سماها و تتبع مسارها، و نجد علماء فضاء أمريكيون و غيرهم انبهروا لما وجدوه في
التراث العربي من أسماء لكواكب كثيرة كالمريخ و زحل و المشتري و الثؤيا و غيرها
كثير.
و قد تناول شعراء العربية
القدامى أسماء الكواكب و ذكروها في أشعارهم في أغراض مختلفة، من هؤلاء أبو إسحاق
الصابي الذي قال:
نل المنى في يومك الأجود
مستنجحا بالطالع الأسعد
و ارق كمرقى زحل صاعدا إلى
المعالي أشرف المقصد
و فض كفيض المشتري بالندى إذا
اعتلى في أفقه الأبعد
و زد على المريخ سطوا بمن عاداك
من ذي نخوة أصيد
و اطلع كما تطلع شمس الضحى
كاسفة للحندس الأسود
و خذ من الزهرة أفعالها
في عيشك المستقبل الأرغد
و ضاه بالأقلام في جريها
عطارد الكاتب ذا السؤدد
فالشاعر قد ذكر في هذه المقطوعة
أسماء كواكب: زحل و المشتري و المريخ الزهرة و عطارد، و حتى شعراء العصر الجاهلي
ذكروا أسماء بعض الكواكب و النجوم، فكيف تسنى لذلك العربي القديم أن يعرف تلك
الكواكب و يسميها؟ و يضبط مكان و وقت ظهورها؟ و لا تختلط تشتبع عليه مع نجوم أخرى؟
فسر بعض الدارسين الأمر
بكون بيئة العرب ذات الطابع الصحراوي، الذي يمتاز بصفاء الأجواء، هو الذي جعلهم
يرصدون الكواكب و يسمونها و يضبطوا مداراتها.
و قد انتبه للظاهرة حتى
بعض علماء الفضاء الغربيين المعاصرين، الذين أحصوا عددا لا يستهان به من الكواكب و
النجوم التي تحمل أسماء عربية.
و الذي زاد في دفع العرب
إلى الاهتمام بالأفلاك، هو مجيء الإسلام، و فرض صيام رمضان، مما جعلهم يهتمون
بمطالع الشهور القمرية و انصرامها، و أذكر هنا أني جلست بجامع القرويين بحلقة
الشيخ العلامة الغازي الحسيني رحمه الله في حصة علم الفلك، و كنت أنبهر (و كافة
الحضور) بما يشنف به أسماعنا من كلام في هذا الموضوع، و توضيح ما وصل إليه العرب
في هذا المجال، في وقت لم تكن هناك تكنولوجيا متطورة.