الشخصية الحضارية المغربية المتميزة

 


أستطيع أن أقول منذ الوهلة الأولى، إن الشخصية الحضارية للمغرب، شخصية مستقلة و متميزة في كثير من النقاط، نعم قد تلتقي مع مجموعة الدول الإسلامية في كثير من النقاط، لكنها تتميز في مجموعة من النقاط الأخرى، مما يجعل الرائي يميز المغربي بهندامه و عمرانه و مطبخه بكل سهولة و يسر.

لا أقول هذا انطلاقا من العاطفة لكوني مغربي، و لكن أقول ذلك بعين ناقدة و بقدر كبير من الموضوعية، و سيظهر ذلك في الكلام الموالي.

الشخصية الحضارية تبدو في كثير من العناصر، منها: العمران و الزي و المطبخ و الثقافة (العادات و التقاليد و الأمثال الشعبية و الغناء، و الرؤية للعالم أو النظرة للحياة و ما بعدها إلخ..).

ففي ما يتعلق بالعمران، فإن بناء الدور و المساكن و الفنادق و المساجد و الأسواق بالمغرب تتميز (خاصة الدور و الرياضات) بعناصر تختلف بها عن نظيراتها في بلدان أخرى.

فهي تتميز بالزخارف و النقوش على الجبس و الخشب، بطريقة فنية رائعة، قد تكون متأثرة بنظيرتها لدى بلدان أخرى كالأندلس قديما، لكن الأندلس قد توقف بها هذا النمط بعد سقوطها من يد المسلمين، و بقي المغرب محافظا على ذلك النمط بل و أبدع فيه، حتى انفرد به و عرف عنده دون غيره؛

و استعماله للرخام في تبليط الأرض و السواري، مما جعل من بعض البيوت القديمة و الحديثة تحفا فنية، يقف الناظر أمامها مشدوها، لجمالها، و لمهارة و دقة صانعيها و بنائيها.. 

أما من حيث الزي، فاللباس التقليدي المغربي متميز، الذي يتكون من الجلابة (بالقب) و البرنس، و ما يلبس تحت الجلابة من حيث القميص و السراويل المسماة القندريسي، و الدراعية..

قد تلتقي هذه الملابس بنظيرتها في بعض البلدان الإسلامية من حيث الشكل العام المتسم بكونه فضفاضا، لكنها تبقى متميزة من حيث بعض التفاصيل الخاصة.

أما العمامات التي تغطي الرأس، فهي كذلك متميزة، و عقدها فوق الرأس بأشكال مختلفة من منطقة لأخرى، ففي الشمال تعقد بشكل مختلف عن نظيرتها في الجنوب، و في المناطق الباردة غيرها في المناطق الصحراوية التي تغطي حتى الفم و الأنف لحمايتهما من تسرب غبار الرمال الصحراوية.

و بخصوص المطبخ المغربي، فإنه يتميز بالغنى و التنوع، لما تنتجه أرضه من خيرات تتمثل في كثرة الخضار و الفواكه، و يعتبر الطاجين و الكسكس الميزة الأساسية التي ينفرد بها عن سواه من المطابخ.

و من أهم ما يميز المطبخ المغربي كذلك استعمال التوابل سواء منها المنتجة محليا أو المستوردة من الخارج. و كذلك استعمال زيت الزيتون.. مما يجعل الطعام مغذيا و غير مضر.

و على مستوى الثقافة بكل مكوناتها (غناء، أمثال شعبية، موسيقى لخ...) و رؤية العالم، فإن كل ذلك يؤطره الدين و العقيدة، و إن كانت هناك بعض الانحرافات التي تنبعث من شهوات النفس البشرية و غواية الشيطان.

و إن كانت الثقافة المغربية تشترك مع نظيراتها في الدول الإسلامية في الإطار العام لهذه الثقافة، فإنها في المغرب تتميز ببعض الخصوصية المتمثلة في الموسيقى المغربية الأندلسية، و الملحون، و إن كانت هذه الأشكال متميزة، فإنها قد تلتقي في مضمونها التعبيري و الأغراض المعبر عنها، و كذلك الأمثال الشعبية، فقد توجد أمثال تتشابه في المضمون، لكن التعبير يختلف من بلد لآخر، بما يتلاءم مع اللهجة المحلية و الطباع و غير ذلك.

و بكلمة موجزة، فإن المغربي إذا تزيى بزيه التقليدي الأصيل، و جلس في بيته المزين بالزليج و النقش على الجبص و الخشب، و كانت أمامه الصواني و كؤوس الشاي المنعنع، فإن القاصي و الداني سيعرف أنه مغربي و لن يقع له قيد أنملة من الخلط في ذلك، و هذه هي معالم الشخصية الحضارية المتميزة عن غيرها.  

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-